التعريف بمناهج دورات العلوم الشرعية للأطفال
التعريف بمناهج دورات العلوم الشرعية للأطفال
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ اللهَ –جلَّ وعلا- قد وَفَّقَنَا بتوفيقِهِ ورحمتِهِ لاختيارِ مناهج شرعية لتدريسِها في « دورات العلوم الشرعية للأطفال »، وهذه المناهج هي المناهج الشرعية التي تُدَرَّسُ في بلادِ التوحيد –مملكة الخير المملكة العربية السعودية حرسَهَا اللهُ وجميع بلاد المسلمين-، وخاصة مناهج التوحيد والفقه والسيرة وهي مناهج شرعية سلفية مصدرها القرآن والسُّنة بفَهمِ السلفِ الصالح –أصحاب نبيِّنا مُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وسلم- و-رضي اللهُ عنهم- ومَن تَبِعَهم بإحسان-، وهي المناهج التي أثنى عليها العلماء الأكابر في عصرِنا ودافعوا عنها كما سيأتي بعدُ –إنْ شاء اللهُ ربُّ العالمين-.
وإضافة إلى هذه المناهج المباركة، قام أحدُ إخواننا من طلابِ العلمِ –أبو الفضل محمود بن سيد جابر، وهو من طلابِ الشيخ علي بن عبد العزيز موسى حفظه اللهُ وأتمَّ الدراسة بمعهد الشيخ؛ معهد الحديث والأثر- بتصنيف مادة الأذكار والآداب الإسلامية واعتمد عند تصنيفِهِ على أحاديث الصحيحين والأحاديث الصحيحة الثابتة المُحققة من الشيخ العلامة المُحدِّث: ناصر الدين الألباني –رحمه الله-، وهي مادة صُنِّفَت وقُسِّمَت على ثلاث مراحل من المراحل الأساسية، وأيضًا مادة التفسير بمراحلها المختلفة ستكون مِن التفسير المعروف بـ«تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان للعلَّامة السعدي –رحمهُ اللهُ-».
فأسألُ اللهَ أنْ ينفعنا بهذه المناهج وأطفالنا وأطفال المسلمين في كلِّ مكان، وأنْ يكتبَ لها القبول وأنْ يرزقنا الإخلاصَ في العلمِ والقولِ والعمل والدعوة إلى سبيلِ ربِّنا على منهاجِ النبوة.
وإليكم كلمات لبعض الراسخين مِن علمائنا كتبوها وتكلموا بها ثناءً على المناهجِ التي تُدَرَّسُ في بلادِ التوحيد ودفاعًا عنها ودعوةً لنشرِها.
قال العلَّامة المجاهد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-:
«لابد مِن تَعَلُّمِ التوحيدِ وتعليمِهِ»
استمعتُ في إحدى وسائل الإعلامِ إلى امرأةٍ تُعَلِّقُ على مناهجِ التعليمِ في المدارسِ وما يَخصُّ منها مُقَرَّر العقيدة -عقيدة التوحيد- وتقول بسخريةٍ: في مُقَرَّرِ السنةِ الرابعةِ في التوحيدِ: «أنَّ المُشركينَ كانوا مُقرِّينَ بتوحيدِ الربوبيةِ ولم يُدْخِلهُم ذلك في الإسلامِ؛ لأنهم لم يُقِرُّوا بتوحيدِ الألوهية ولذلك قاتلَهُم رسولُ اللهِ ﷺ واستحلَّ دماءَهُم وأموالَهم».
وتقولُ: إنَّ الرسولَ ﷺ لم يقاتلهُم حتى قاتلوه، ولم يَستحِلّ أموالَهُم بدليلِ أنه لَمَّا هَاجَرَ إلى المدينة خَلْفَ عليًّا -رضي الله عنه- في مكة ليرُدَّ الأمانات التي عنده للناسِ مِن أهلِ مكة، ثم تُردِفُ وتقول: هل يصلحُ هذا أنْ يُدَرَّسَ للأطفالِ ويُنَشَّئُوا على الإرهابِ.
هكذا شعورُ هذه المرأة -هداها الله- نحو العقيدة التي بَعَثَ اللهُ بها رسولَهُ ﷺ، وَأَمَرَ أنْ يقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأنَّ مُحَمَّدًا رسول اللهِ ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويأتوا ببقيةِ أوامرِ الدين، قال اللهُ تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193].
وقال تعالى: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5]. فَأَمَرَ بقتالِهِم حتى يدخلوا في دينِ اللهِ ويتركوا عبادةَ ما سُواهُ, وهذا هو الجهادُ في سبيلِ اللهِ الذي هو سَنَامُ الإسلامِ وأحدُ دعائمِهِ.
والقصدُ منه مصلحةُ المشركين لإخراجِهِم مِن الكُفْرِ والنَّارِ إلى الإسلامِ والجنَّةِ ولحمايةِ الدينِ وإصلاحِ العقيدةِ التي هي أساسُ الدينِ ومَحِلُّ اهتمامِ الرُّسُلِ, قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25].
فهل ترى هذه المرأة -هداها الله- أنَّ الإقرارَ بتوحيدِ الربوبيةِ يكفي؟ وأنَّ الرسولَ ﷺ لم يُقاتِل المُنكرين لتوحيدِ الألوهيةِ، فهذا إنكارٌ للواقعِ ولَمَّا جاءَ في القرآنِ الكريمِ، لكنَّها لعلَّهَا لم تتأمل قبل أنْ تتكلمَ أو غابَ عنها ذلك، ولم يكُن كلامَهَا هذا في وسيلةٍ إعلاميةٍ يسمعُها القاصي والداني لَمَا رَددتُ عليها ولَمَا بَيَّنْتُ في كلامِها.
والرسولُ ﷺ قال: «أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله, فإذا قالوها عَصَمُوا مِنِّي دماءَهُم وأموالَهُم إلا بحقِّهَا وحسابُهُم على الله».
ولم يقُل: أُقاتل مَن قاتلني.
وأما قولها: إنَّ الرسول ﷺ: لم يستحل أموالَهم.
فنقول: نعم، إنَّ الرسولَ ﷺ لم يستحل أموالهم إلا بالجهادِ في سبيلِ اللهِ عن طريقِ المغنمِ، فقد قال الله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: 41].
وقال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾
وقال النبيُّ ﷺ: «وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تُحَلّ لأحدٍ قبلي»، لأن ذلك مِمَّا يُضْعِفُ الكفارَ ويُقوِّي المسلمينَ.
وأمَّا ردُّهُ ﷺ للأماناتِ؛ فهو عَمَلٌ بقولِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، والأمانات ليست مغانم، فَفَرِّق بين هذا وهذا.
وأمَّا قولُهَا هل يصلُح ذلك أنْ يُدَرَّسَ للأطفالِ؟
نقول: نعم،إنْ لم نُدَرِّس أطفالَنَا العقيدة المأخوذة مِن الكتابِ والسُّنَّةِ!! فماذا نُدَرِّسُهُم؟!!
هل نُدَرِّسُهُم سيرةَ عنترة وقصة ألف ليلة وليلة؟!!
والله تعالى يقول: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19].
وليس هذا تنشئة للأطفالِ على الإرهابِ كما تخيلهُ وإنما تعليمٌ للعقيدةِ التي تجبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ.
هذا ما أردتُ التعليق به على مقالةِ المذكورة.
واسأل اللهَ تعالى أنْ يُفقِّهنَا وإياها في دينِهِ وصلى اللهُ وسَلِّم على نبيِّنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصحبِهِ.
كتبه: العلامة الدكتور: صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية –حرسها اللهُ ومصر وسائر بلاد المسلمين-.
15/4/1428هـ
المصدر: من الموقع الرسمي لسماحة العلامة: صالح الفوزان –حفظه الله-.
-----------------------------------------------------
«التعليمُ ومناهجُهُ في المملكة العربية السعودية»
للشيخ العلامة الدكتور: صالح الفوزان –حفظه الله-.
عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
الحمدُ للهِ عَلَّمَ بالقلمِ، عَلَّمَ الإنسانَ ما لم يعلم، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا مُحَمَّدٍ الذي قال له ربُّهُ مُمْتنًا عليه: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء: 111]، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ خير مَن تَعَلَّمَ وعَلِمَ، وبعد:
فإنَّ أولَ مُعَلِّمٍ في الإسلامِ هو رسولُ اللهِ ﷺ، وأولى طلبةِ العلمِ هُم صحابةُ رسولِ اللهِ الذين صاروا مِن بعدِهِ مُعَلِّمِي العالَم كما قال ﷺ: «وإنَّ العلماءَ هُم ورثةُ الأنبياء»، فكانوا يُعَلِّمونَ الناسَ أمورَ دينِهِم؛ عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاقًا، مُتدرجينَ معهم في التعليم شيئًا فشيئًا عَمَلًا بقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: 79]، ومِن بعدِهم التابعون لهم بإحسانٍ ومَن تَبِعَهُم مِمَّن جاءَ بعدهم، ساروا على هذا المنهجِ الربانيِّ القرآنيِّ كلُّ جيلٍ يحملُ العلمَ ويحملُهُ مَن يأتي بعدَهُ.
كما رُوِيَ عنه ﷺ: «يحملُ هذا العِلْمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عدولُهُ»، ففتحوا البلادَ بالجهادِ وفتحوا القلوبَ، وبالتعليم حتى نشروا ذلك في المشارقِ والمغاربِ مِمَّا لم يُعرف نظيرهُ في أُمَّةٍ مِن الأُممِ قبلهم، وكان هذا العلمُ الغزيرُ تحملُهُ اللغةُ العربيةُ التي نَزَلَ القرآنُ بها؛ فتعلَّمَهَا الناسُ عَرَبًا وعَجَمًا، فصارت هي اللغةُ العالميةُ وتخصصَ بها وبعلومِها ألوفٌ ومِن العجمِ بحُكْمِ أنها لغةُ القرآنِ ولغةُ الرسولِ ﷺ، ولا يُمكنُ فَهْمُ هذا الدين إلا بِفَهْمِهَا وفَهْمِ مُشتقاتِهَا فتفجَّرَت مِن الكتابِ والسُّنةِ بحورُ العِلْمِ وامتلأت مكتبات العالَمِ مِن كُتُبِ الإسلامِ مِمَّا لم يُعرف في ديانةٍ مِن الديانات، وذلك معجزةٌ لهذا الرسولِ ورحمة للعالَمِ كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
وكان مَهْدُ هذا الخير ومَنبعُ هذا النور مِن بلادِ الحرميْن مَكَّة والمدينة وما جاورهُما مِن بلادِ الجزيرةِ العربيةِ التي هي مَهْدُ الرسالةِ ومَهْبِطُ الوحي وجزيرةُ الإسلامِ التي قال فيها النبيُّ: «لا يَبْقَى فيها دِينَان»، ومنها انطلقت جحافلُ المجاهدين وقوافلُ الدُّعَاةِ والمُعَلِّمين.
وكانت هذه المملكةُ العربيةُ السعودية هي الوارثةُ لهذا الخيرِ والقائمةُ عليه تَتَّجِهُ لها القلوبُ والأبدانُ وتقصدُهَا الوفودُ الغزيرةُ كلَّ عام آمِّينَ البيتَ الحرامِ ومسجدَ الرسولِ -عليه الصلاة والسلام-؛ يبتغونَ فَضْلًا مِن رَبِّهِم ورضوانًا. وتتسابقُ إلى جامعاتِهَا أفواجُ الدارسين مِن كلِّ صَقْعٍ في العَالَمِ يفقهون في الدين ويحملونهُ إلى مَن خَلْفَهُم عَمَلًا بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
إنَّ كلَّ دولةٍ تضعُ مناهجَ التدريسِ فيها حَسَبَ النظام الذي تسيرُ عليه في سياستِهَا، ولَمَّا كان النظامُ لدينا وَفْقَ تعاليمِ الإسلامِ ولا يُمكنُ تَعَلُّمُ الإسلامِ ولا تعليمُهُ إلَّا بِتَعَلُّمِ لغتِهِ التي هي اللغةُ العربيةُ، فلا يبقى مسلمٌ أعجميًا، فترجمةُ علومِ الإسلامِ إلى اللغاتِ الأجنبيةِ عَجْزٌ مِن العربِ وتعجيز للغتِهم التي اختارَهَا اللهُ لِحَمْلِ هذه الرسالة إلى العَالَمِ وتمويت لها.
ولَمَّا كانت الجزيرةُ العربيةُ عمومًا والبلادُ السعوديةُ خصوصًا بصفتِهَا مهبط الرسالةِ وبلاد الحرميْن الشريفيْن هي قلبُ العَالَمِ الإسلاميِّ ومَهْوَى أفئدةِ المسلمين؛ فإنها يجبُ أنْ تكونَ جامعاتُهَا ومناهجُهَا هي التي تُصَدِّرُ الإسلامَ وعلومَهُ إلى العَالَمِ.
ومِن ثمَّ لَمَّا مَكَّنَ اللهُ للملكِ عبد العزيز آل سعود -رحمهُ اللهُ- في هذه البلادِ المباركةِ؛ قامَ بِفَتْحِ المدارسِ والمعاهدِ التي هي نواةُ الجامعات، وَوُكِلَ إلى العلماءِ وَضْعُ مناهجِهَا المُتضمنة لعلومِ القرآنِ والسُّنَّةِ والفقه واللغةِ العربيةِ وعلومِهَا، وَوَاصَلَ أبناؤه مِن بَعدِهِ دَعْمَ هذه المؤسسات العلمية لتُؤتي ثمارَهَا -لا للمملكةِ فَحَسْب وإنما للعَالَمِ الإسلاميِّ كلِّهِ-.
فالتعليمُ مربوطٌ بالعلماءِ مِن حيثُ وَضْع خُططِهِ ومناهجِهِ ومتابعتِهِ وتنميتِهِ. ومتى انفكَّ التعليمُ عن العلماءِ؛ ضَاعَ وتَغَيَّرَ وحَلَّ مَحَلَّهُ الجهلُ وفسادُ العقائدِ وهذا ما يريدُهُ الأعداءُ حينما دَسُّوا على الإسلامِ فِرْقَةَ الخوارج والمعتزلة الذين اعتزلوا العلماء ووضعوا لأنفسِهِم مناهجَ خاصة نَتَجَ عنها الضلالُ والانحلالُ وتَعَدَّدَت الفِرَقُ الضالةُ التي ما زالَ المسلمون يعانون منها ويحاربونَ أفكارَهَا. وإننا نسمعُ في هذا الوقتِ أصواتًا تَنْعِقُ بالمطالبةِ بتغييرِ المناهجِ التعليميةِ ونَزْعِهَا مِن أيدي العلماءِ وَجَعْلِهَا بيدِ الجهلةِ المُسَمينَ التربويين حتى تصبحَ المناهجُ الإسلاميةُ اسْمًا بلا مُسَمَّى وحتى يكونَ الإسلامُ إسلامًا علمانيًا لا إسلامًا محمديًّا، منهجًا لا يُفَرِّقُ بين الحقِّ والباطلِ والهُدى والضلال ويُفَرِّقُ بين المسلمِ والكافرِ والمؤمن والمنافق والبرِّ والفاجرِ على ما جاءَ به الإسلامُ الذي جاءَ لإخراجِ الناسِ مِن الظُّلماتِ إلى النورِ وتَرْكِ الناسِ على المَحجَّةِ البيضاءِ ليلُها كنهارِهَا وأظهرَهُ اللهُ على الدينِ كلِّهِ.
يُرادُ له أنْ يكونَ كغيرِهِ مِن الأديانِ المُحَرَّفَةِ والمُنحرفةِ، إنهُ بعد بعثةِ مُحَمَّدٍ ﷺ لا دينَ إلا الدين الذي جاء به: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
ولا يُعرفُ هذا الدين على الوجهِ الصحيحِ الذي جاءَ به مُحَمَّدٌ ﷺ إلَّا إذا دَرَسْتَ أحكامَهُ وتعاليمَهُ ضمنَ المناهجِ الدراسيةِ في مختلفِ المراحل، ولن يقومَ بهذا إلا العلماء تعليمًا وإشرافًا ومتابعة، وإذا كانوا يقولونَ إنَّ الناسَ بحاجةٍ إلى الدراساتِ العصريةِ وعلومِ التقنية الحديثة، فنقولُ هذا لا يتعارضُ مع ذلك، بل هو يَحثُّ عليه، لكن بعد العنايةِ بتدريسِ علومِ الإسلامِ بأنْ يتعلمَ المسلمُ قبل ذلك ما يستقيمُ به دينُهُ، فهناك قَدْرٌ مشتركٌ مِن العلومِ الدينيةِ لا بد أنْ يعرفَهُ كلُّ مسلمٍ، ومَا زادَ عليه مِن علومِ الشريعةِ فهو تخصصي يقومُ به مَن عِنْدَهُ أهلية لتَلَقِّيِهِ؛ لأنَّ الأمةَ بحاجةٍ إليه، فيكونُ تَعَلُّمُهُ فرضَ كفايةٍ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]
والنوعُ الأولُ تَعَلُّمُهُ فرضُ عَيْنٍ على كلِّ مسلمٍ، وهذا ما تسيرُ عليه مناهجُنَا الدراسيةُ منذ تأسست المدارسُ باختلافِ مراحلِها، والتعليمُ عندنا شاملٌ -ولله الحمد- لكلِّ ما يحتاجُهُ المجتمعُ المسلمُ مِمَّا يجبُ على الفردِ بخاصةِ نَفْسِهِ، وما يجبُ على المجتمعِ تَعَلُّمُهُ وتعليمِهِ، وما تدعوا الحاجةُ إلى تَعَلُّمِهِ مِن علومِ التقنية، فلا يعتني بجانبٍ ويتركُ الجانبَ الآخرِ حتى تقومَ على ذلك مصالحُ العبادِ في المعاشِ والمَعَادِ، ولا نكونُ كَمَن قال اللهُ تعالى فيهم: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7]، فَنُقْبِلُ على العلومِ الدنيويةِ ونتركُ العلومَ الأخروية، وكما في الأَثَرِ: «اعمل لدنياك كأنك تعيشُ أبدًا، واعمل لآخرتِكَ كأنكَ تموتُ غدًا».
ولذلك كان مِن أعظمِ اهتماماتِ المُؤسسِ الملك عبد العزيز -رحمه الله- الاهتمام بجانبِ التعليمِ، فأَوْلَاهُ عنايةً خاصة وأسندَهُ إلى علماءِ البلادِ وسَارَ على نَهْجِهِ أبناؤه، ولن تَبْقَى هذه الدولةُ إلا ببقاءِ الأساس الذي قامت عليه وهو الاهتمامُ بالتعليمِ بجميعِ تخصصاتِهِ وأنْ يتولاهُ أهلُهُ مِن علماءِ البلادِ فيقوموا بِوَضْعِ مناهجِهِ الدراسيةِ واختيارِ المدرسين الأكفاء واختيار الكُتُبِ المناسبة مِمَّا أُلِّفَ قديمًا أو ما يُؤلَّفُ حديثًا.
ولا أعرفُ وَجْهًا للضجةِ الصحفيةِ حينما ظَهَرَ اسمُ بعضِ أهلِ العِلْمِ على غلافِ بعض المُقرَّراتِ الفقهية إلا أنْ تكونَ هذه الضجة ناشئة عن فكرةِ نَزْعِ التعليمِ مِن أهلِ العِلْمِ وإسنادِهِ إلى غيرِهِم وهذه فكرةٌ يأباهَا ولاةُ الأمورِ ويأباهَا المسلمون لأنها فكرة نشاز ليست في صالحِ المسلمين.
والدينُ النصيحةُ للهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ ولأئمةِ المسلمين وعامتِهِم كما قال الرسولُ ﷺ.
نسألُ اللهَ أنْ يُصلحَ لنا دينَنَا الذي هو عِصمةُ أَمْرِنَا ويصلحَ لنا دُنيانا التي فيها معاشُنَا، ويصلحُ لنا آخرتَنَا التي فيها معادنَا.
وصلى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ.
كتبه: العلامة الدكتور: صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
8/11/1431هـ
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/13090
---------------------------------------------------------
«القطبيون في المملكة العربية السعودية»
مقطع من قناة منهاج النبوة –قناة الشيخ العلامة أبي عبد الله محمد بن سعيد رسلان –حفظه الله-.
نسألُ اللهَ أنْ يُسَلِّمَ بلادَ الحرميْن مِن كلِّ مكروهٍ وسوء وأنْ يأخذَ على أيدي هؤلاء السُّفهاء وأن يَمحقَهم مَحْقًا كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم-: «كلما خرج قرنٌ قُطِع».
هؤلاء كان الواحدُ منهم يُستضافُ في بعض تلفازاتِ الخليج لكي يقولَ إنَّ المناهجَ التي تُدَرَّسُ في المملكةِ العربية السعودية هي التي دَعَت إلى الإرهابِ والذي دعا إليه الإمامُ الشيخ مُحمد بن عبد الوهاب هو الذي فَرَّخَ الإرهابَ في العالَم مع أنه تَرَبَّى على السلفية، ولكنَّ شأنه كشأنِ غيره من أولئك الروافض المُتسترين بالتصوفِ في داخلِ المملكةِ العربيةِ السعودية كالمالكيِّ وغيره.
فهؤلاء أيضًا يطعنونَ في المناهجِ المُؤسَّسةِ على: قال اللهُ، قال رسولُهُ، قال الصحابةُ، على الكتابِ والسُّنة بفهمِ الصحابةِ ومَن تَبِعَم بإحسان، على نَبْذِ الشِّركِ وتحقيقِ الاتباع للنبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم-.
-------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعدُ:
فهذا مقالٌ لفضيلة الشيخ/ عبد المحسن بن حمد العبَّاد البدر -حفظه الله تعالى- بعنوان:
«مناهجنا الدراسية بريئة من التهم ومتهمها هو المتهم»
وهذا نصُّهُ:
الحمد لله، وصلى اللهُ وسلم وبارك على رسولِ الله، نبيِّنَا مُحَمَّد وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَن والاهُ.
وبعدُ:
فإنَّ المناهجَ الدراسيةَ في المملكة العربية السعودية وُضِعَت وفقًا للمنهجِ الذي قامت واستمرت عليه الدولةُ السعودية، وهو اتباعُ الكتابِ والسُّنَّةِ وما كان عليه سَلَفُ الأمةِ، وذلك منذُ نشأتها قبل ثلاثةِ قرونٍ تقريبًا على يدِ الإمامِ محمد بن سعود -رحمه الله- بتأييدٍ مِن الإمامِ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وبعد مرور أكثر مِن مائة عامٍ على تأسيسِ المملكة العربية السعودية على يدِ الملكِ عبد العزيز -رحمه اللهُ-؛ بَدَأَ الكلامُ مِن بعضِ الذين في قلوبِهم مرض في المناهجِ الدراسيةِ والنَّيْلِ منها، وذلك عندما حَصَلَ في هذه البلاد مِن تكفيرٍ وتفجيرٍ مِن بعضِ الشبابِ -أهل السّفَهِ والطَّيْشِ-، وكان لذلك آثار سيئة من وجوهٍ مختلفة، ومنها اتهامُ المناهجِ الدراسية، وقد ذكرتُ بعضَ هذه الآثار في آخرِ الرسالةِ التي كَتَبْتُهَا بعنوان: «بَذْلُ النُّصْحِ والتذكيرِ لبقايا المفتونين بالتكفيرِ والتفجير» طُبِعَت في عام 1427هـ، وطُبِعَت أيضًا في عام 1428هـ ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/225ــ279) مع رسالةٍ أخرى قبلَهَا بعنوان: «بأيِّ عَقْلٍ ودينٍ يكونُ التفجيرُ والتدميرُ جهادًا؟! وَيْحَكُم أفيقوا يا شباب!!»، وكانت الطبعة الأولى لهذه الرسالة في عام 1424هـ، وهذا نَصُّ ما قُلتهُ حول اتهامِ بعض مَن في قلوبِهِم مرض للمناهجِ الدراسية:
«3ـ اتِّهامُ مناهجِ التعليمِ في المملكة العربية السعودية بأنَّها سبب التكفيرِ وما تَبِعَهُ مِن تفجيرٍ في هذه البلاد، وهذا من مكايدِ الشيطان لإخلاءِ المناهج مِمَّا فيها مِن الخير، وهذا النعيقُ بالاتِّهام جاءَ مِن الخارجِ ومِمَّن في قلوبِهِم مَرَضٌ مِن الداخل، والمناهجُ -بحمدِ اللهِ- بريئةٌ مِن التُّهَمِ، ومُتِّهِمُهَا هو المتَّهَمُ، والذين ابتُلُوا بالتكفيرِ والتفجيرِ في هذه البلاد لم يحصل ذلك لهم مِن المناهجِ الدراسية، بل دَخَلَ عليهم من أبوابِ شرٍّ لا صِلَةَ لَهَا بالمناهجِ البَتَّة، وقد اعترفَ بذلك بعض الذين قُبِضَ عليهم منهم، والذي حَصَلَ مِن هؤلاء الشبابِ هو كالذي حَصَلَ مِن أهلِ التكفيرِ والتفجيرِ في الجزائر مِن قَبْل، لا صِلَةَ ولا علاقةَ لشذوذٍ وانحراف هؤلاء وهؤلاء بالمناهجِ الدراسية، ومناهجُ التعليمِ وُضِعَت في عهدِ الملكِ عبد العزيز -رحمهُ اللهُ-، ولم يحصل لدارسِيها إلا الخير، ولم تُتَّهَم بشيء، فلماذا تأخَّر الاتِّهام إلى هذا الوقت؟!
وكان للتعليمِ قبلَ إنشاءِ وزارة المعارف مديرية عامة، مَقَرُّهَا مكة المكرمة، وكان مديرها العام الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع -رحمه الله-، وهو مِن أهلِ العِلْمِ والفَضْلِ، وقد وُضِعَت مناهجُ التعليمِ في ذلك الوقت، ولمَّا أُنْشِئَت وزارةُ المعارف بعد وفاة الملك عبد العزيز -رحمه الله- في عهدِ الملك سعود -رحمه الله-، كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز-حفظه الله- أولَ وزيرٍ للمعارف، فأقرَّ مناهجَ التعليم، ثم تتابعَ على الوزارة بعده أربعةُ وزراء والمناهج التعليمية على ما هي عليه، لم يُوَجَّه إليها تُهمةً في هذه العهودِ المتتابعة، وبعد أحداثِ الحادي عشر مِن سبتمبر وما حَصَلَ بَعْدَهَا مِن تفجيرٍ في بلادِ الحرمين وغيرها، وُلِدَ هذا الاتِّهامُ الذي كان قبل ذلك في عالَمِ الأموات، وليست المصيبة في هذا الاتِّهام نفسه، وإنَّما المصيبةُ في أنْ يَجِدَ قَبَولًا وأن يُفَكَّرَ في تغييرِهَا».
وقد اطلعتُ على هذيان نشرتْهُ صحيفةُ الحياة بتاريخ 14/5/1431هـ بعنوان: «ملاحظات على مادةِ التوحيد» لشخصٍ وَصَفَ نَفْسَهُ أو وَصَفَتْهُ الصحيفةُ بأنه باحثٌ في الشؤونِ الإسلامية، لا ينتهي عَجَبُ الواقفِ على هذا الهذيان مِن وَصْفِ صَاحبِهِ بأنه باحثٌ في الشؤون الإسلامية، ويكفي أنْ أُشيرَ إشارات يسيرة تُبَيِّنُ تناهي هذا الناقد للمناهجِ الدراسيةِ في الجهلِ.
فقد قال في مطلع هذيانه: «إنَّ أغلبَ أبناءِ المسلمين يخرجونَ مِن بطونِ أُمهاتِهِم موحدينَ بالفطرة، ومِن هؤلاء الأبناء مَن يُولَدُ في هذا البلدِ الكريم، أو يَقْدُمُ إليها مُرَافِقًا لوالدِهِ المقيم، فيدخلُ مدارسَ المملكة ليتعلم، ومِن الموادِ التي ترافقُهُ مِن سَنَتِهِ الأولى حتى الثانوية مادة التوحيد، فيخرجُ حين يَشِبُّ، بانطباعٍ أنَّ كلَّ مَن يعيشُ خارجَ المملكة خارج عن المِلَّةِ، وبخاصةٍ أنَّ هذه المادة لا تُدَّرَس مُطلقًا في أيِّ بلدٍ عربيٍّ أو إسلاميٍّ».
فقد قَصَرَ الولادة على الفطرةِ على أغلبِ أبناءِ المسلمين، ومعنى هذا أنَّ بعضَ أبناءِ المسلمين لا يُولدون على الفطرة! ومِن المعلومِ أنَّ بني آدم جميعًا يُولدون على فطرةِ التوحيد، سواء كانوا مِن أبوين مسلميْن أو كافريْن؛ لقولِهِ ﷺ: «كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواهُ يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ...».
الحديث رواه البخاري (1385) واللفظ له، ومسلم (2658) عن أبي هريرة -رضي اللهُ عنه-، وفي صحيح مسلم (2865) مِن حديث عِياض بن حِمار المجاشعي -رضي الله عنه-: «وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ, وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ, وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ, وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا» الحديث.
فهذان الحديثان يُدُلَّان على أنَّ الناسَ جميعًا مفطورونَ على التوحيد، وأنَّ الخروجَ عنه إلى الشركِ يحصُلُ بواسطةِ الأبويْن المُشركيْن وغيرهما مِن الشياطين، أفمَن يجهلُ هذا ويَقْصُرُ الولادةَ على الفطرةِ على أغلبِ أبناءِ المسلمين ويَزعُم أنَّ مَن يَدْرُسُ مادةَ التوحيد في المملكةِ يخرجُ بانطباع أنَّ كلَّ مَن يعيشُ خارج المملكة خارج عن الملة؟!
أقول: أيكونُ مَن يجهلُ هذا الأمر الواضح ويزعمُ هذا الزَّعْمَ الباطلَ باحثًا في الشؤون الإسلامية مُؤهلًا لنَقْدِ المناهجِ الدراسية؟!
ومِن هذيانِهِ قوله: «في مقابلِ هذا التصنيف في مَن هو مُشرك وخارج عن المِلَّةِ نجدُ في الكتابِ نَفْسِهِ في «باب ما جاء في الرُّقَى والتمائم» شَرْحًا مُطولًا لحديثِ الرسولِ ﷺ بأنَّ مَن استنجى برجيعِ دَابةٍ أو عظْمٍ فقد أشرك، والسؤال يكمن في: هل هناك الآن مَن يخرجُ إلى الخلاءِ مِن دونِ ماء؟ وهل يُعقلُ -ونحن في القرنِ الـ21- أنْ نُخيفَ الطالبَ الصغيرَ ألَّا يقرب مِن العَظْمِ ورَوَثِ الدوابِ لأنها مِن طعامِ الجِنِّ؟».
أقولُ: لا ينتهي العجبُ أيضًا مِن وَصْفِ قائلِ هذا الكلامِ الساقطِ الباردِ بأنه باحث في الشؤون الإسلامية، فإنَّ مجرد حكاية هذا الكلام كاف في ظهورِ سقوطِهِ وسقوطِ صاحبِهِ، والحديثُ الذي أشارَ إليه ليس فيه وَصْف المُسْتنجي بالعَظْمِ وبرجيعِ الدابةِ بالشركِ، بل هذا الوَصْفُ بالشركِ مِن الكذبِ الذي ليس في كتابِ مادةِ التوحيد ولا في حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ، والحديثُ رواه النسائي (5067) بإسنادٍ صحيحٍ عن رُويفع -رضي الله عنه- قال: إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «يا رُويفع! لعلَّ الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه مَن عَقَدَ لحيتَهُ أو تَقَلَّدَ وَتَرًا أو استنجى برجيعِ دابةٍ أو عَظْمٍ؛ فإنَّ مُحَمَّدًا بريءٌ منهُ».
وفي مُقررِ مادة التوحيد للسنةِ الأولى المتوسطة في شرحِ هذا الحديث: «وهذه المنهيات السابقة مِن كبائرِ الذنوبِ، لِمَا وَرَدَ فيها مِن الوعيدِ الشديدِ: «فإنَّ مُحَمَّدًا بريءٌ منه»، فعلى المسلم أنْ يكونَ حَذِرًا مِن الوقوعِ فيها».
وفرقٌ بين جملة: «فقد أشرك» المكذوبة وجملة: «فإنَّ مُحَمَّدًا بريءٌ منه»، فإنَّ اللفظَ في الحديثِ لا يفيدُ الشرك، بل إنَّ مِثْلَ هذا اللفظ يدلُّ على أنه مِن الكبائر، ونظيرُهُ ما ثَبَتَ في [صحيح البخاري (1296) ومسلم (287)] عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: «أنا بريءٌ مِمَّا بَرِئ منه رسولُ اللهِ ﷺ، فإنَّ رسولَ اللهِ ﷺ بَرِئ مِن الصَّالِقَةِ والحَالِقَةِ والشَّاقَة».
والصالقةُ: التي ترفعُ صوتَهَا.
والحالقة: التي تحلقُ شَعْرَهَا.
والشَّاقة: التي تشقُّ ثوبَهَا وذلك عند المصيبة.
فبراءةُ الرسولِ ﷺ مِن الصالقةِ والحالقةِ والشَّاقةِ مِن الكبائرِ وليس مِن الشرك، والعجبُ أنَّ الصحيفةَ أعجبَهَا مِن هذيانِ باحثِهَا القطعة مِن الحديث المشتملة على الجملةِ المكذوبةِ والتعليق البارد عليها، فقد أبرزت بالحروفِ المُكَبَّرَةِ هذه العبارة: «في كتابِ التوحيد أنَّ مَن استنجى برجيعِ دَابةٍ أو عَظْمٍ فقد أَشْرَكَ! هل يُعقل في القرن الـ21 أنْ نُخيفَ الطالبَ ألَّا يقرب مِن العَظْمِ وَرَوَثِ الدوابِ لأنها مِن طعامِ الجِنِّ؟!»، وليس في تعليمِ الطلاب النهي عن الاستنجاء برجيعِ الدابة والعظم إخافةً للطلابِ لكونِها مِن طعامِ الجِنِّ كما زَعَمَ، بل لأنَّ في الاستنجاءِ بهما تقذيرًا لهذا الذي جعلهُ اللهُ طعامًا للجِنِّ، وهو مِن الإيمانِ بالغيبِ، والتصديقِ بذلك مِن الغيبِ الذي لا يُعرفُ إلَّا بالوحي، وقد جَعَلَ اللهُ الإيمانَ بالغيبِ أولَ صفاتِ المتقينَ التي ذَكَرَهَا في قولِهِ: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)﴾ [البقرة: 2-5].
والدليلُ على أنَّ ذلك مِن الغيبِ الذي عُرِفَ بالوحي ما رواه مسلم في [صحيحه (1007)] عن ابن مسعود -رضي الله عنه- في قصةِ مجيء الجِنِّ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، وفيه: «وسألوه الزاد، فقال: لكم كلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه يقعُ في أيديِكُم أَوفَرُ ما يكونُ لَحْمًا، وكلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لدوابِكِم»، فقال رسول الله ﷺ: «فلا تستنجوا بِهما؛ فإنهما طعامُ إخوانِكُم»، وفي آخرِ هذا الحديث بيان الحكمة في النهي عن الاستنجاءِ بالعَظْمِ والبَعْرِ.
ومِن هذيانِهِ قوله: «ورُبما عَمل بني آدم (كذا) -ليس على مِلَّةِ الإسلام- عَمَلًا أدخلهُ تعالى الجنة بسببِهِ، ففي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة عن النبي قال: «إنَّ امرأةً بغيًّا رَأَت كَلْبًا في يومٍ حَار يطيفُ ببئرِ، فنزعت له بمُوقِهَا، فغُفِرَ لها»، فإذا كان الرحيمُ قد غَفَرَ لامرأةٍ يهوديةٍ عاهر، أفلا يَغفرُ لأهلِ الإسلامِ الذين يفعلون بما يعتقدونَ بصحتِهِ مِن تَوسلٍ واستغاثةٍ بالرسولِ ﷺ؟»
أقول: كلُّ ذنبٍ دون الشرك فهو تحت مشيئةِ الله، إنْ شاءَ عَذَّبَ صاحبَهُ وإنْ شاءَ غَفَرَ له، وإنْ عَذَّبَهُ لا يُخِلِّدُهُ في النار، وأمَّا الشركُ فهو الذنبُ الذي لا يُغْفرُ ومآلُ صاحبِهِ إلى النار والخلود فيها؛ قال اللهُ -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48] في آيتين من سورةِ النساء.
وقال: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72].
وقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: 36].
وما يعملهُ الكافرُ مِن أعمالٍ حَسَنَةٍ لا يُفيدهُ عند اللهِ شيئًا؛ كما قال اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23]. وفي [صحيح مسلم (518)] عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يَصِلُ الرَّحِمَ ويُطعمُ المِسكينَ، فهل ذاك نافعهُ؟
قال: «لا ينفعهُ؛ إنه لم يَقُل يومًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».
وأمَّا المرأةُ البَغِيُّ مِن بني إسرائيل التي غُفِرَ لَهَا بِسَقْي الكلبِ كما في [صحيح البخاري (3321) ومسلم (5860)] فليست المغفرةُ لشِركٍ؛ لأنَّ الشركَ لا يُغفر، بل المغفرةُ لذنبِ البِغَاءِ، والأصلُ أنها على دينٍ صحيحٍ اتُّبِعَ فيه بعضُ أنبياءِ بني إسرائيل، وبعد نَسْخِ الشرائع السابقة بشريعةِ نبيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، فإنَّ المُتعينَ على كلِّ إنسيٍّ وجِنيٍّ الإيمان به واتباعه وإلا كان مِن أصحابِ النار؛ كما قال ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». [رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (386)].
وأمَّا ما أشارَ إليه مِن تجويزِ التوسلِ بالرسولِ ﷺ والاستغاثةِ به ومغفرة ذلك ففيه تفصيل، وهو أنَّ التوسلَ بالأنبياءِ والصالحينَ بمعنى سؤال الله بِهم فهو مِن البدعِ التي لم يدلُّ عليها دليل، وأما الاستغاثة بالأنبياءِ والملائكةِ والصالحين فهو مِن الشركِ؛ لأنَّ الاستغاثةَ نوعٌ مِن أنواعِ الدعاءِ وقد قالَ اللهُ -عزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18].
وقد ذَكَرَ شيخُنَا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- هذا التفصيل في آخرِ منسكه: «التحقيق والإيضاح لكثيرٍ مِن مسائل الحَجِّ والعمرة والزيارة على ضوء الكتابِ والسُّنةِ».
بعد أنْ ذَكَرَ بعضَ ما يُفْعَلُ عند زيارةِ القبورِ مِن أمورٍ مُنكرةٍ، قال: «وهذه الأمورُ المذكورة تجتمعُ في كَوْنِهَا بدعة، ولكنَّهَا مختلفة المراتب، فبعضُهَا بِدعةٌ وليس بشركٍ كدعاءِ اللهِ سبحانهُ عند القبور وسؤالِهِ بحَقِّ الميتِ وجَاهِهِ ونحو ذلك، وبعضُهَا مِن الشركِ الأكبرِ كدعاءِ المَوْتَى والاستعانةِ بِهِم ونحو ذلك».
وهذه التعقيبات إنما هي على بعضِ هذيان هذا الناقد للمناهجِ الدراسيةِ وهي كافيةٌ للتنبيهِ على بيانِ جَهْلِهِ، وأنَّ المناهجَ الدراسيةَ سَالِمَةٌ مِن اتهامِهِ، ويَصْدُقُ عليه وعليها قولَ الشاعرِ:
وإذا أتَتْكَ مَذَمَّتِي مِن نَاقِصٍ فَهيَ الشَّهادَةُ لي بأنِّي كامِلُ
والمأمولُ مِن المسئولين عن التعليمِ عدم الالتفات إلى جَهْلِ الجاهلين ونعيقِ الناعقين في النَّيْلِ مِن مناهجِ التعليمِ بُغْيَةَ إخلائِهِا مِن بعضِ الخيرِ الذي فيها.
وأسألُ اللهَ -عزَّ وَجَلَّ- أنْ يحفظَ بلادَ الحرميْن حكومةً وشَعْبًا مِن كلِّ سوءٍ، وأنْ يقيَهَا كيدَ الكائدين ومَكْرَ الماكرين وأنْ يُوَفِّقَ المسئولين عن التعليمِ للمحافظةِ على ما في المناهجِ الدراسيةِ مِن خيرٍ للعبادِ والبلاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحَبْهِ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.